تحت قشرة الحداثة، تجثم الممارسات الدنيوية لنظام الحكم القمعي في قطر وبقية دول مجلس التعاون الخليجي. ولكي لا ننسى، يتم تذكيرنا وبشكل مستمر بمدى تسامح حكام مجلس التعاون الخليجي، وخاصة عندما يتعلق الأمر بنقد من أحد رعيتهم. لا تعتبر قضية شاعر قصيدة الياسمين القطري محمد العجمي، الذي حصل في بادئ الأمر على حكم بالسجن المؤبد لدعمه الثورة التونسية وانتقاده للنخب الحاكمة المتسلطة، حالة منعزلة. بل إنها حدث يتكرر بشكل واسع على امتداد منطقة تفخر بأنها ليست بدرجة قمعية الأنظمة مثل النظام الموجود في سوريا.
عندما نمعن النظر، نجد بأن أشكال وحالات العنف المنتشرة في دول بلدان مجلس التعاون الخليجي تشكل صرحاً متسلطاً فريداً يمكنه أن يفلت من المساءلة أو يتغلب عليها أو يستخدم الرشوة للتملص منها وذلك بطرق متعددة. وكون اقتصادها متداخل مع الأسواق العالمية وكونها محصنة بشبكات تجمع بعض أقوى الدول في العالم فإن أنظمة مجلس التعاون الخليجي تستطيع انتهاك أبسط حقوق مواطنيها ورعاياها وتفلت من العقاب. إنهم يمتلكون قوة مالية وعسكرية كافية لاسترضاء، السيطرة على، شراء، و/أو مماطلة معارضة محلية تزداد حجماً وسقوطٍ وشيكٍ –وإن كان هذا لن يستمر إلى ما لا نهاية. ومع أنه ليس من المتوقع حصول نكسة وشيكة، فإن هذه الإجراءات الصارمة في وجه من يخالف –سواء كان ذلك عن طريق قصيدة أو تغريدة أو فيلم أو عصيان مدني سلمي- تُظهر هيئة الأمور القادمة والحركة المتنامية المناهضة لأشكال الاستغلال المتنوعة. ربما تكون القنبلة الموقوتة هي القضية التي لا يتحدث بها أحد ألا وهي العمالة التي يتم إساءة استخدامها. إن الاقتصاد السياسي، الذي يسحق كل من يخالف، وثيق الصلة بالاقتصاد المتنامي على حساب العمالة الرخيصة التي يتم إساءة استخدامها وبشكل واسع. يساعد تأثير سلوك الدولة البوليسية المتزايد في إكمال المشهد وبشكلٍ أسرع مما كان متوقعاً.
تعج تلك المنطقة بمثل هذه الانتهاكات لحقوق المواطنين والرعايا، ونادراً ما تصل إلى المنابر الإخبارية العامة في الولايات المتحدة أو أوربا، أو في مناطق أخرى حيث يقدم الإعلام الذي يموله مجلس التعاون الخليجي البرامج والتقارير. يكاد الظلم الفادح الذي ينجح بالحصول على انتباه الجمهور في أرجاء العالم، والذي يزول بسرعة، أن يلامس حقيقة مشهد الاضطهاد في دول مجلس التعاون الخليجي. ولكنه ومع ذلك، يبين قلق هذه الأنظمة الملكية من التعبير السلمي للمعارضة والمنشقين ومن قوة الكلمة المكتوبة. إن لم يكن لأجل أي شيء آخر، فإن أنظمة مجلس التعاون الخليجي تحاول الاستفادة من نشر القضايا "ذات الأهمية الإخبارية" تحديداً من أجل إمكانية ثنيها. إن الترويج لمصير حمزة كاشغري وتركي الحمد وآلاف سجناء الضمير القابعين في السجون السعودية وغيرها، وكذلك المواطنين اللذين تم تجريدهم من جنسيتهم في البحرين والإمارات العربية المتحدة بسبب إهانتهم المزعومة "لحكامهم"، يظهر الواقع المر الذي ينتظر من يرتكب هذا الإثم. وكما يكشف تكيف وقدرة أنظمة الحكم الملكية في الخليج وأي سبل سيتم اللجوء إليها لمنع أي إشارة ولو كانت هزيلة للنقد والمعارضة الداخليتين. ومع إضافة تشديد القوانين الإعلامية والعقوبات الأكثر صرامة بحق من يتحدى الوضع السياسي الراهن –وأحياناً الوضع الديني- فلم تقم هذه القضايا، إلا قليلاً، بكبح المواطنين الخليجيين عن الاستمرار بالتكلم جهاراً ضد الاضطهاد المستمر والوبائي للدولة. فعلى امتداد الخليج، يستمر أكثر الرعية عرضة للاعتداء ألا وهم السجناء السياسيون والذين يتحملون الوطأة الكبرى من القمع بمحاربة الدولة وإخضاعها بالشيء الوحيد الذي يسيطرون عليه: أجسادهم. ليس خطاب الأنظمة المنمق الوحيد المستمر في تبييض هذه الانتهاكات، بل إن قسماً كبيراً من المثقفين في الخليج متورطون في هذه الجهود سواء كان ذلك عن عمد أو دون دراية أو تحت ضغط أحد المتغطرسين. كثيراً ما نرى ما يسمى الخبراء الخليجيون وهم يحاضرون بنا في أشهر قاعات المؤسسات الأكاديمية حول الكرم السلطوي في دول الخليج وجهود إصلاحهم البطيئة ولكن المتقدة في ذات الوقت. إن ثقافة "المجلس" في الخليج كأحد أشكال "الحكم الديمقراطي" وخطط "التطور" الهائل في دول الخليج هي التي جنّبت الخليج اندلاع الغضب الشعبي ذاته الذي شهدته أنظمة عربية في مناطق أخرى لا تحظى بالشعبية وذلك وفق ما يقوله لنا الخبراء. تركز تلك المحاضرات بمجملها على جهود الأنظمة التي تزعم بأنها منصبّة لصالح رعاياها. ينكر هذا الوصف وبشكل فردي عقوداً من النشاط والصراع لمواطني الخليج اللذين خاطروا بحياتهم وأجسادهم لمحاربة التسلط. كما أنه يتفّه أشكال المقاومة المعارضة المتنوعة والتي تحدت أنظمة الخليج منذ تأسيسها، دون أن نغفل عن ذكر النقد المستمر للحكام في كافة دول الخليج. وبعملهم هذا، يجرد المثقفون المواطنين الخليجيين من القوة الضعيفة المتبقية التي يمتلكونها؛ فعوضاً عن قول الحقيقة للسلطة، فإنهم بالواقع يقرون بها ويعطونها الشرعية.
إن إجراءات العقد الاجتماعي للمواطنين الرعية في الخليج تورث الملكيات وضعاً أشبه بالمقدس يكونون فيه الأب للأمة، وكأن الله يرعاهم؛ مما يجعل معارضتهم مماثلة للخطيئة الدينية. على الأقل هذا هو الحال في السعودية، حيث معارضة الحكام تكافئ معارضة الله والنبي –كما رأينا في تبعات "يوم الغضب" السعودي عام 2011- وبالتالي فهي تستحق عقوبة مكافئة لهذا. في هذه التراتبية، فعلى الرعية في الخليج أن تناشد شفقة الحكام كما وأنهم يناشدون الله، للحصول على الرحمة و/أو الرفق عند استصدار قرارات محكمة غير عادلة بحق أحبائهم. تمنح الشبكات الإعلامية وحلفاء الخليج الوضع المقدس ذاته لحكام الخليج، حيث يحصلون على دعم مطلق من معرفتهم بأنهم في حال تعرضوا للخطر، فإن أقوى دولة على الأرض ستأتي مسرعة لإنقاذهم. ويكتمل الثالوث الأقدس.
[نشرت للمرة الأولى على جدلية بالإنجليزية وترجمها إلى العربية مازن حكيم.]